سورة الحجر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


الضمير في {منها} للجنة، وإن لم يجر ذكرها في القصة تتضمنها، ويحتمل أن يعود الضمير على ضيفة الملائكة، وال {رجيم} المشتوم أي المرجوم بالقول والشتم، و{يوم الدين} يوم الجزاء، ومنه قول الشاعر:
ولم يبق سوى العدوا *** ن دناهم كما دانوا
وسأل إبليس النظرة إلى يوم البعث فأعطاه الله إياها إلى وقت معلوم، واختلف فيه فقيل إلى يوم القيامة أي يكون آخر من يموت من الخلق، قاله الطبري وغيره وقيل إلى وقت غير معين ولا مرسوم بقيامة ولا غيرها، بل علمه عند الله وحده، وقيل بل أمره كان إلى يوم بدر وأنه قتل يوم بدر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وإن كان روي فهو ضعيف، والمنظر المؤخر، وقوله {رب} مع كفره يخرج على أنه يقر بالربوبية والخلق، وهو الظاهر من حاله وما تقتضيه فيه الآيات والأحاديث، وهذا لا يدفع في صدر كفره، وقوله {بما أغويتني} قال أبو عبيدة وغيره أقسم بالإغواء.
قال القاضي أبو محمد: كأنه جعله بمنزلة قول رب بقدرتك علي وقضائك ويحتمل أن تكون باء سبب، كأنه قال رب والله لأغوينهم بسبب إغوائك لي ومن أجله وكفاء له. ويحتمل أن يكون المعنى تجلداً منه ومبالغة في الجد أي بحالي هذه وبعدي عن الخير والله لأفعلن ولأغوين، ومعنى {لأزينن لهم في الأرض} أي الشهوات والمعاصي، والضمير في {لهم} لذرية آدم وإن كان لم يجر لهم ذكر، فالقصة بجملتها حيث وقعت كاملة تتضمنهم، والإغواء: الإضلال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج {المخلَصين} بفتح اللام، أي الذين أخلصتهم أنت لعبادتك وتقواك، وقرأ الجمهور {المخلِصين} بكسر اللام، أي الذين أخلصوا الإيمان بك وبرسلك، وقوله تعالى: {قال هذا صراط} الآية: القائل هو الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذلك بواسطة، وقرأ الضحاك وحميد والنخعي وابو رجاء وابن سيرين وقتادة وقيس بن عباد ومجاهد وغيرهم {علي مستقيم} من العلو والرفعة، والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى الإخلاص لما استثني إبليس من أخلص. قال الله له هذا الإخلاص طريق رفيع مستقيم لا تنال أنت بإغوائك أهله، وقرأ جمهور الناس {علي مستقيم}، والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى انقسام الناس إلى غاو ومخلص، لما قسم إبليس الناس هذين القسمين، قال الله هذه طريق علي، أي هذا أمر إلى مصيره، والعرب تقول طريقك في هذا الأمر على فلان أي إليه يصير النظر في أمرك، وهذا نحو قوله تعالى {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: 14].
قال القاضي أبو محمد: الآية على هذه القراءة تتضمن وعيداً، ثم ابتدأ الإخبار عن سلامة عباده المتقين من إبليس وخاطبه بأنه لا حجة له عليهم ولا ملكه.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من قوله {عبادي}: الخصوص في أهل الإيمان والتقوى لا عموم الخلق، وبحسب هذا يكون {إلاَّ من اتبعك} مستثنى من غير الأول، التقدير لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان، وإن أخذنا العباد عاماً في عباد الناس إذ لم يقرر الله لإبليس سلطاناً على أحد فإنا نقدر الاستثناء في الأقل في القدر من حيث لا قدر للكفار، والنظر الأول أصوب، وإنما الغرض أن لا تقع في استثناء الأكثر من الأقل، وإن كان الفقهاء قد جوزوه، قال أبو المعالي ليس معروفاً في استعمال العرب، وهذه الآية أمثل ما احتج به مجوزوه.
قال القاضي أبو محمد: ولا حجة لهم في الآية على ما بينته، وقوله {جهنم لموعدهم} أي موضع اجتماعهم، والموعد يتعلق بزمان ومكان، وقد يذكر المكان ولا يحد زمان الموعد، و{أجمعين} تأكيد وفيه معنى الحال، وقوله {لها سبعة أبواب} قيل إن النار بجملتها سبعة أطباق أعلاها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم وفيه أبو جهل، ثم الهاوية، وإن في كل طبق منها باباً، فالأبواب على هذا بعضها فوق بعض، وعبر في هذه الآية عن النار جملة ب {جهنم} إذ هي أشهر منازلها وأولها وهي موضع عصاة المؤمنين الذين لا يخلدون، ولهذا روي أن جهنم تخرب وتبلى، وقيل إن النار أطباق كما ذكرنا لكن الأبواب السبعة كلها في جهنم على خط استواء، ثم ينزل من كل باب إلى طبقة الذي يفضى إليه.
قال القاضي أبو محمد: واختصرت ما ذكر المفسرون في المسافات التي بين الأبواب وفي هواء النار، وفي كيفية الحال إذ هي أقوال أكثرها لا يستند، وهي في حيز الجائز، والقدرة أعظم منها، عافانا الله من ناره وتغمدنا برحمته بمنه. وقرأ الجمهور {جزء} بهمز، وقرأ ابن شهاب {جزُء} بضم الزاي، وقرأت فرقة {جزّ} بشد الزاي دون همز وهي قراءة ابن القعقاع.


ذكر الله تعالى ما أعد لأهل الجنة عقب ذكره ما أعد لأهل النار ليظهر التباين، وقرأ الجمهور و{عُيون} بضم العين، وقرأ نبيح والجراح وأبو واقد ويعقوب في رواية رويس {وعِيون} بكسر العين مثل بيوت وشيوخ، وقرأ الجمهور {ادخُلوها} على الأمر بمعنى يقال لهم {ادخُلوها}، وقرأ رويس عن يعقوب {أدخَلوها} على بناء الفعل للمفعول وضم التنوين في {عيونٌ}، ألقى عليه حركة الهمزة، والسلام هاهنا يحتمل أن يكون السلامة، ويحتمل أن يكون التحية، والحقد، وذكر الله تعالى في هذه الآية أن ينزع الغل من قلوب أهل الجنة، ولم يذكر لذلك موطناً، وجاء في بعض الحديث أن ذلك على الصراط، وجاء في بعضها أن ذلك على أبواب الجنة، وفي لفظ بعضها أن الغل ليبقى على أبواب الجنة كمعاطن الإبل.
قال القاضي أبو محمد: وهذا على أن الله تعالى يجعل ذلك تمثيلاً بلون يخلقه هناك ونحوه، وهذا كحديث ذبح الموت، وقد يمكن أيضاً أن يسل من الصدور، ولذلك جواهر سود فيكون كمبارك الإبل، وجاء في بعض الأحاديث أن نزع الغل إنما يكون بعد استقرارهم في الجنة.
قال القاضي أبو محمد: والذي يقال في هذا أن الله ينزعه في موطن من قوم وفي موطن من آخرين، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين}. وذكر أن ابناً لطلحة كان عنده فاستأذن الأشتر فحبسه مدة ثم أذن له فدخل، فقال ألهذا حبستني وكذلك لو كان ابن عثمان حبستني له فقال علي نعم إني وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم {ونزعنا ما في صدورهم من غل} الآية.
قال القاضي أبو محمد: وقد روي أن المستأذن غير الأشتر و{إخواناً} نصب على الحال، وهذه أخوة الدين والود، والأخ من ذلك يجمع على إخوان وإخوة أيضاً، والأخ من النسب يجمع أخوة وإخاء، ومنه قول الشاعر:
وأي بني الإخاء تصفو مذاهبه ***
ويجمع أيضاً إخواناً و{سرر} جمع سرير، و{متقابلين} الظاهر أن معناه في الوجوه، إذ الأسرة متقابلة فهي أحسن في الرتبة، قال مجاهد لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه، وقيل {متقابلين} في المودة، وقيل غير هذا مما لا يعطيه اللفظ، والنصب: التعب، يقع على القليل والكثير، ومن الكثير قول موسى عليه السلام {لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
كليني لهم يا أمية ناصب ***
و{نبئ} معناه أعلم، و{عبادي} مفعول ب {نبئ}، وهي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، ف {عبادي} مفعول وأن تسد مسد المفعولين الباقيين واتصف ذلك وهي وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد، ألا ترى أنك إذا قلت أعجبني أن زيداً منطلق إنما المعنى أعجبني انطلاق زيد لأن دخولها إنما هو على جملة ابتداء وخبر فسدت لذلك مسد المفعولين.
قال القاضي أبو محمد: وقد تتعدى {نبئ} إلى مفعولين فقط ومنه قوله تعالى {من أنبأك هذا} [التحريم: 3]، وتكون في هذا الموضع بمعنى أخبر وعرف، وفي هذا كله نظر، وهذه آية ترجية وتخويف، وروي في هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لو يعلم العبد قدر عفو الله لنا تورع من حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه» وروي في هذه الآية أن سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى جماعة من أصحابه عند باب بني شيبة في الحرم، فوجدهم يضحكون، فزجرهم ووعظهم ثم ولى فجاءه جبريل عن الله، فقال: يا محمد أتقنط عبادي؟ وتلا عليه الآية، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأعلمهم.
قال القاضي أبو محمد: ولو لم يكن هذا السبب لكان ما قبلها يقتضيها، إذ تقدم ذكر ما في النار وذكر ما في الجنة فأكد تعالى تنبيه الناس بهذه الآية.


قرأ أبو حيوة {ونبهُم} بضم الهاء من غير همز، وهذا ابتداء قصص بعد انصرام الغرض الأول، و{ضيف} مصدر وصف به فهو للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد كعدل وغيره، قال النحاس وغيره: التقدير عن أصحاب ضيف.
قال القاضي أبو محمد: ويغني عن هذا أن هذا المصدر عومل معاملة الأسماء كما فعل في رهن ونحوه، والمراد ب الضيف هنا الملائكة الذين جاؤوا لإهلاك قوم لوط وبشروا إبراهيم، وقد تقدم قصصهم. وقوله {سلاماً} مصدر منصوب بفعل مضمر تقديره سلمنا أو نسلم سلاماً، والسلام هنا التحية، وقوله {سلاماً} حكاية قولهم فلا يعمل القول فيه، وإنما يعمل إذا كان ما بعده ترجمة عن كلام ليس يحكى بعينه كما تقول لمن قال لا إله إلا الله قلت حقاً ونحو هذا وقوله {إنا منكم وجلون} أي فزعون، وإنما وجل إبراهيم عليه السلام منهم لما قدم إليهم العجل الحنيذ فلم يرهم يأكلون، وكانت عندهم العلامة المؤمنة أكل الطعام، وكذلك هو في غابر الدهر أمنة للنازل والمنزول به، وقرأ الجمهور {لا توجل} مستقبل وجل، وقرأ الحسن {لا تُؤجل} بضم التاء على بناء الفعل للمفعول من أوجل، لأن وجل لا يتعدى، وكانت هذه البشارة بإسحاق، وذلك بعد مولد إسماعيل بمدة، وقول إبراهيم {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق} [إبراهيم: 39] وليس يقتضي أنهما حينئذ وهبهما بل قبل الحمد بكثير. وقرأ الجمهور {أبشرتموني} بألف الاستفهام، وقرأ الأعرج {بشرتموني} بغير ألف. وقوله: {على أن مسني الكبر}، أي في حالة قد مسني فيها الكبر، وقرأ ابن محيصن {الكُبْر} بضم الكاف وسكون الباء، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {تُبشرونَ} بفتح النون التي هي علامة الرفع، والفعل على هذه القراءة غير معدى، وقرأ الحسن البصري {تبشروني} بنون مشددة وياء، وقرأ ابن كثير بشد النون دون ياء، وهذه القراءة أدغمت فيها نون العلامة في النون التي هي للمتكلم موطئة للياء، وقرأ نافع {تبشرونِ} بكسر النون، وغلط أبو حاتم نافعاً في هذه القراءة، وقال إن شاهد الشعر في هذا اضطرار.
قال القاضي أبو محمد: وهذا حمل منه، وتقدير هذه القراءة أنه حذفت النون التي للمتكلم وكسرت النون التي هي علامة الرفع بحسب الياء، ثم حذفت الياء لدلالة الكسرة عليها، ونحو هذا قول الشاعر أنشده سيبويه: [الوافر]
تراه كالثغام يعل مسكاً *** يسوء الفاليات إذا فليني
ومنه قول الآخر:
أبالموت الذي لا بد أني *** ملاق لا أباك تخوفيني
ومن حذف هذه النون قول الشاعر:
قدني من نصر الخبيبين قدي ***
يريد عبد الله ومصعباً ابني الزبير، وكان عبد الله يكنى أبا خبيب، وقرأ الحسن {فبم تَبشُرون} بفتح التاء وضم الشين، وقول إبراهيم عليه السلام {فبم تبشرون} تقرير على جهة التعجب والاستبعاد لكبرهما، أو على جهة الاحتقار وقلة المبالاة بالمسرة الدنيوية لمضي العمر واستيلاء الكبر. قال مجاهد: عجب من كبره ومن كبر امرأته، وقد تقدم ذكر سنة وقت البشارة. وقولهم {بشرناك بالحق} فيه شدة ما، أي بشر بما بشرت به ودع غير ذلك، وقرأ جمهور الناس {القانطين} والقنوط: أتم اليأس، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وابن مصرف ورويت عن عمرو {القنطين}، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة، {من يقنَط} بفتح النون في كل القرآن، وقرأ أبو عمرو والكسائي {ومن يقنِط} بكسر النون، وكلهم قرأ من {بعد ما قنطوا} [الشورى: 28] بفتح النون، ورد أبو عبيدة قراءة أهل الحرمين وأنكر أن يقال قِنط بكسر النون، وليس كما قال لأنهم لا يجمعون إلا على قوي في اللغة مروي عندهم، وهي قراءة فصيحة إذ يقال قَنَط يقنَط يقنِط مثل نَقَم ونقِم، وقرأ الأعمش هنا {يقنِط} بكسر النون، وقرأ {من بعد ما قنطوا} [الشورى: 28] بكسر النون أيضاً، فقرأ باللغتين، وقرأ الأشهب {يقنُط} بضم النون وهي قراءة الحسن والأعمش أيضاً وهي لغة تميم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5